|

رجالٌ ..  مُخلصين أوفياء

الكاتب : الحدث 2023-06-30 05:19:11

د/سلمان حماد الغريبي
--------------------------
(الاستاذ/محمد بن سليمان الشبل)
رحمه الله واسكنه فسيح جناته .. رجل من رجال التربية  والتعليم .. هذا المربي الفاضل والشاعر المُلهم المُبدع والذي تُسطر سيرته العطِرة وتُكتب بماء الذهب وتنقش في قلب التاريخ وبصماته واضحة ومشعة كالشمس في كبد السماء على طلابه خاصةً الذين تقلدوا أعلى المناصب وأرفعها في الدولة كوزراء وقضاة وأطباء ومهندسين وعسكريين وغيره الكثير من المناصب و المهمن الفنية و الإدارية وعلى التعليم بصفة عامة ... رجل من القلائل الذين يشار لهم بالبنان ولهم في حياتنا صولاتٌ وجولات صادقين مُخلصين أوفياء ...
فعندما يعجز اللسان عن وصف مثل هؤلاء العُظماء والحديث عنهم وتعجز الجوارح عن التعبير يكون القلم هو المُعبر الوحيد عما يشعر به الإنسان فهو رسالة إنصات مُرسلة بهدوء لكل مايلج في النفس ويدور فيها وشعور فريد لا يتقنه الكثيرون وفي كثيرٍ من الأحيان يكون القلم خيرُ وسيلةٍ للوصف والتعبير بإتقان عن رجال لهم علينا بعد الله سبحانه وتعالى الفضل الكبير لِمَا نحنُ عليه الآن من علمٍ ورقي وتقدم وحضارةٍ ونماء .. فجزاهم الله عنا خير الجزاء وأكرمهم ووفقهم وبارك لهم وفيهم وأسكنهم الفردوس الأعلى في الجنة ... ومن هؤلاء العُظماء وإن لم يكونوا فعلاً أعظمهم .. المُربين الأفاضل رجال التربية والتعليم ومنهم المربي الفاضل القدير الأستاذ/ محمد بن سليمان الشبل(رحمه الله) ... ذلك المربي الفاضل ذو الشخصية الفذة والهيبةُ المُتزنة .. فكان مكتبه (رحمة الله عليه) في الممر الذي به صفوف الثالث العلمي وكان حريصاً علينا فيها لأنها بالنسبة لنا وله سنة مفصلية وكان يُتابعنا اولاً بأول .. فعند بداية الحصة يقف (رحمه الله) كالأسد عند باب مكتبه كاشفاً الممر بأكمله وابواب هذه الفصول كلها تطلُ على هذا الممر ولا تسمع فيه حتى همساً الهدوء مُخيم على الممر بأكمله .. حتى تنتهي الحصة فيرتاح في مكتبه قليلاً بين الحصص فقط ويستمر في ذلك حتى إنتهاء الدوام الرسمي .. فكان (رحمه الله) أول من يحضُر للمدرسة وآخر المُنصرفين منها ولم نره قط في دخوله للمدرسة أو الخروج منها ... فكان (رحمه الله) نموذجاً مثالياً لما يتمتع به كثيرٌ من رجال التربية والتعليم من تميز في الأداء والشخصية والإتزان والتعامل مع الأجيال  وكتبنا عنه الكثير الكثير وما زلنا نكتب ولن ولن نوفيه حقه مهما كتبنا أو قلنا او تناقلنا .. وليس له منا بل واجبٌ علينا ولرجال التعليم أمثاله سوى أن نرفع اكف الضراعة لله سبحانه وتعالى والدعاء له ولهم بأن يُجزيهم الله عنا وعن ماقدموه لنا وافنوا اعمارهم من أجلنا خير الجزاء ويكرمُهم بجنةٍ عرضها عرض السموات والأرض أُعدت للمُتقين ... ولد استاذنا الفاضل/ محمد سليمان الشبل .. (رحمه الله) في مدينة عنيزة وهي مسقط راسه في عام 1349هجرية والتحق فيها بالمدرسة الإبتدائية الحكومية حين ذاك وتخرج منها عام1363هجرية ثم إرتحل لمكة المكرمة وعاش فيها اطول ايام حياته والتحق فيها بالمعهد السعودي وتخرج منه في عام1369هجرية ثم واصل دراسته في كلية الشريعة وتخرج منها في عام 1373هجرية ومن حينها حمل لواء العلم والتربية والأدب والشعر وجمعهم في إطارٍ واحد وانطلق بهم في عالم التميز والإبداع ... فبدأ حياته العملية مُدرساً في المدرسة الرحمانية بمكة المكرمة في عام 1374هجرية ثم مديراً لها ثم تم نقله مديراً لمدرسة الملك عبدالعزيز الثانوية(المدرسة العزيزية) بالعزيزية والتي اتشرف بأني كُنت أحد خريجيها واستمر فيها (رحمه الله) لأكثر من ثلاثين عاماً حتى احيل للتقاعد في عام 1409 هجرية ... بعد ان امتلك كل مقومات المربي الفاضل في إدارته وإسلوبه وسلاسة شِعره وجمال كلماته والنبوغ بأفكارة وتوجيهاته .. فكان (رحمه الله) قمة في الأدب والأخلاق والنقاش المُثمر ومتزن في أقواله وأفعاله وإسلوبه الشيق السلس في حل أي مشكلة تواجهه .. فهنيئاً له (رحمه الله) محبة طلابه وجيرانه وجماعته في مسقط رأسه الذين يكنون له كل محبةٍ ومودةٍ وتقدير وإحترام .. زرته عند مرضه قبل وفاته (رحمه الله) عندما كان منوماً في مستشفى النور التخصصي بمكة المكرمة فكان قوياً مُتماسكاً مُبتهجاً حامداً الله سبحانه وتعالى على ماهو عليه ويقول الحمدلله بأن أرى طلابي حولي وإني أديت رسالتي على اكمل وجه وهذا من فضل ربي عَليّ .. فسألته هل تتذكرني يا أستاذ ..؟! فضحك وقال أنا لا أنسى طلابي وخصوصاً من أكل المكسرات من ثلاجتي فضحكنا جميعاً ثم اردف وقال لاتنساني وتنسى والدك (رحمه الله) من الدعاء فقد كان حريصاً على تعليمك ويتواصل معي بإستمرار .. رحمهما الله جميعاُ وغفر لهما واسكنهما فسيح جناته .. توفي (رحمه الله) في مسقط رأسه في مدينة عنيزة يوم الجمعة 1441/2/19 هجرية .. فبكته وحزنت عليه جميع شرائح الوطن التعليمية والثقافية والأدبية والإجتماعية .. وفقدنا فعلاً رجل بمعنى الكلمة صادقاً ومخلصاً ووفياً لدينه ووطنه وولاة امره .. (رحمه الله رحمةً واسعةً وأسكنه فسيح جناته) .